الجمعة، ديسمبر 10، 2010

مقاصد الشريعة الإسلامية - الطاهر بن عاشور




مقاصد الشريعة الإسلامية

تأليف: الإمام محمد الطاهر بن عاشور

الناشر: دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة


مرّ عليّ زمن طويل لم أقرأ فيه كتابا يشدّني إلى موضوعه مثل هذا الكتاب. ورغم أني لست ضليعا في علم أصول الفقه وأجد صعوبة في فهم بعض مصطلحاته، إلا أن أسلوب الكاتب، وهو الذي كان حجة في اللغة، إضافة لموضوع الكتاب، جعلا من قراءة هذا الكتاب متعة كبيرة ... وأرى أنه يحتاج إلى إعادة قراءة مرات ومرات ...

استهل الإمام ابن عاشور كتابه بإثبات مقاصد الشريعة واحتياج الفقيه إلى معرفتها وطرق إثباتها ومراتبها وبيان الخطر العارض من إهمال النظر إليها. وذكر اثنتي عشرة حالاً من أحوال الرسول (صلى الله عليه وسلم) يصدر عنها قوله أو فعله، وهي: "التشريع والفتوى والقضاء والإمارة والهدي والصلح والإشارة على المستشير والنصيحة وتكميل النفوس وتعليم الحقائق العالية والتأديب والتجرد عن الإرشاد" وضرب أمثلة من السنة لكل حال من هذه الأحوال، وبيّن أنه لا ينبني على كل هذه الأحوال تشريع وأحكام، غير أن أشد هذه الأحوال اختصاصا برسول الله صلى الله عليه وسلم هي حال التشريع لأن التشريع هو المراد الأول لله تعالى من بعثته ... فلذلك يجب اعتبار ما صدر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأقوال والأفعال فيما هو من عوارض أحوال الأمة صادرا مصدر التشريع ما لم تقم قرينة على خلاف ذلك.

ثم قسم الإمام ابن عاشور المقاصد بحسب العموم والخصوص:

1- مقاصد التشريع العامة: «وهي المعاني والحكم الملحوظة للشارع في جميع أحوال التشريع أو معظمها، بحيث لا تختص ملاحظتها بالكون في نوع خاص من أحكام الشريعة، فيدخل في هذا أوصاف الشريعة وغاياتها العامة والمعاني التي لا يخلو التشريع من ملاحظتها، ويدخل في هذا أيضاً معان من الحِكَم ليست ملحوظة في سائر أنواع الأحكام ولكنها ملحوظة في أنواع كثيرة منها». وذكر من بين هذه المقاصد العامة: حفظ النظام، وجلب المصالح ودرء المفاسد، وإقامة المساواة بين الناس، وجعل الأمة قوية مرهوبة الجانب.

2- مقاصد التشريع الخاصة: «وهي الكيفيات المقصودة للشارع لتحقيق مقاصد الناس النافعة، أو لحفظ مصالحهم العامة في تصرفاتهم الخاصة ... ويدخل في ذلك كل حكمة روعيت في تشريع أحكام تصرفات الناس، مثل قصد التوثق في عقد الرهن، وإقامة نظام المنـزل والعائلة في عقدة النكاح».

ويجمع هذين القسمين المقصد العام للتشريع وهو: «حفظ نظام الأمة، واستدامة صلاحه بصلاح المهيمن عليه وهو نوع الإنسان»

ويرى الإمام ابن عاشور أن مقاصد الشريعة الإسلامية مبنية على وصف هذه الشريعة الأعظم الذي هو الفطرة النفسية والعقلية فقوله تعالى: "لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم، ثم رددناه أسفل سافلين، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون" (التين) ليس المقصود منه أن الله عز وجل قوّم صورة البشر لأن هذه الصورة لم تتغير إلى أسفل. واستثناء الذين آمنوا من هذا التغيير يدلنا على أن المقصود تقويم العقل الذي هو مصدر العقائد الحقة والأعمال الصالحة وليس تقويم الصور.

أما أول أوصاف الشريعة وأكبر مقاصدها فهو السماحة ويعني بها السهولة المحمودة المتوسطة بين التضييق والتسهيل وهذا هو معنى الوسطية ويرى أن السماحة عائدة إلى كون الشريعة دين الفطرة، والفطرة تنفر من الشدة والإعنات.

والمقصد العام من التشريع عند الإمام ابن عاشور هو "حفظ نظام الأمة واستدامة صلاحه: صلاح عقله وصلاح عمله وصلاح ما بين يديه من موجودات العالم الذي يعيش فيه". ويستدل على ذلك بآيات صريحة كلية تدل على أن مقصد الشريعة الإصلاح وإزالة الفساد، منها ما يحكيه كتاب الله عن شعيب: "إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت" (هود) وقول موسى لهارون: "خلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين" (الأعراف) وقوله تعالى: "ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها" (الأعراف).

وهذا المقصد العام يكون بتحصيل المصالح واجتناب المفاسد، وهو يقسم المصالح باعتبار آثارها في قوام أمر الأمة إلى ضرورية وحاجية وتحسينية، وباعتبار تعلقها بعموم الأمة أو جماعاتها أو أفرادها إلى كلية وجزئية، والكلية ما عادت عوداً متماثلاً على عموم الأمة أو جماعة عظيمة منها، فأما ما عاد على جميع الأمة فمثل حماية البيضة وحفظ الجماعة من التفرق وحفظ الدين من الزوال وحماية الحرمين وحفظ القرآن من انقضاء الحفاظ وتلف المصاحف وحفظ السنة من الموضوعات، وأما ما عاد على جماعة عظيمة من الأمة فمثل العهود بين أمراء المسلمين وملوك الأمم المخالفة وأما المصلحة الجزئية فهي مصلحة الفرد أو الأفراد القليلة وهي موضوع أحكام المعاملات.

وقسم المصلحة باعتبار تحقق الحاجة إلى جلبها أو دفع الفساد عن أن يحيق بها إلى قطعية دلت عليها نصوص لا تحتمل التأويل أو دل العقل على أن في تحصيلها صلاحاً عظيماً أو في ضدها ضرراً عظيماً، وأما الظنية فما كان دليلها ظنياً وأما الوهمية فهي التي يتخيل فيها الصلاح وفيها عند التأمل الضر.

ويقسم الإمام ابن عاشور المعاملات إلى مقاصد ووسائل، والوسائل هي الأحكام التي شرعت غير مقصودة لذاتها بل لتحصيل غيرها على الوجه الأكمل فالإشهاد في عقد النكاح وشهرته غير مقصودين لذاتهما وإنما شرعا لأنهما وسيلة لإبعاد صورة النكاح عن شوائب السفاح والمخادنة.

وقد استدرك الإمام ابن عاشور على علامة المقاصد الإمام الشاطبي ورد فيه أيضا على اقتراح الإمام القرافي بخصوص إدراج العرض ضمن الضروريات الخمس، مقترحا أن تضاف الحرية والمساواة إلى قائمة الضروريات.

وهذه سلسلة مقالات ذات صلة من سبعة أجزاء وخلاصة بعنوان "رؤية تقويمية لإسهامات الشاطبي وابن عاشور المقصدية":


http://assabilonline.net/index.php?o...d=52&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...d=60&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...d=99&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...=115&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...=137&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...=148&Itemid=39
http://assabilonline.net/index.php?o...=177&Itemid=39
http://www.assabilonline.net/index.p...=207&Itemid=39

ليست هناك تعليقات: